تحتل قضية المشروعات الصغيرة والمتوسطة أهمية كبرى لدى صناع القرار الاقتصادي في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، لما لهده المشروعات من دور محوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتتجسد أهميتها، بدرجة أساسية، في قدرتها على توليد الوظائف بمعدلات كبيرة وتكلفة رأسمالية قليلة، وبالتالي المساهمة في معالجة مشكلة البطالة التي تعانيها غالبية الدول المتخلفة خاصة عند الشباب.وتتمتع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بروابط خلفية وأمامية قوية مع المشروعات الكبيرة ، وتساهم في زيادة الدخل وتنويعه ، وزيادة القيمة المضافة المحلية ،كما أنها تمتاز بكفاءة استخدام رأس المال نظرا للارتباط المباشر لملكية المشروع بإدارته، وحرص المالك على نجاح مشروعه وإدارته بالطريقة المثلى. وبالرغم من أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تحظى باهتمام ورعاية الدول المتقدمة والنامية، فان منطلق الاهتمام وسببه يختلفان في الدول المتقدمة عنهما في الدول النامية ؛ فالدول المتقدمة أدركت أهمية هده المشروعات لما لها من دور في تغذية المشروعات الكبرى بالمنتجات الوسيطية، أما في الدول النامية كالمغرب مثلا فكان اهتمامها بهدا النوع من المشروعات منطلقا من إجرءات الإصلاح الإقتصادي، وتقلص دور الدولة في الإستثمار ، وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء ، وضعف قدرة الدولة على إيجاد فرص عمل للأعداد المتزايدة من الوافدين إلى سوق الشغل .وبتشجيع ودعم من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، قامت هده الدول بعدة مبادرات للإنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن طريق تمويل حاملي هده المشاريع خاصة الجمعيات التنموية. وأثبتت تجارب التنمية الاقتصادية الناجحة أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي المحور الأساسي في توسيع القاعدة الإنتاجية وزيادة الصادرات وخلق مناصب جديدة للشغل خاصة في العالم القروي والمناطق النائية ، كما تساهم هده المشروعات بحوالي46 %من الناتج المحلي العالمي ،وتمثل 65%من إجمالي الناتج القومي في أوروبا مقابل45% بالولايات المتحدة الأمريكية.أما في اليابان فان 81%من الوظائف هي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وقد أدركت النمور الأسيوية أهمية هده المشروعات واتخذت منها ركيزة لتحقيق أهدفها التنموية . وتشير بعض الإحصائيات إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل نحو 90% من إجمالي الشركات في معظم اقتصاديات العالم ، كما أنها توفر ما بين 50 —60%من إجمالي فرص الشغل ، ففي كوريا الجنوبية نلاحظ أن الدولة تمنح حوافز وإعفاءات ضريبية لنشر المشروعات الصغيرة والمتوسطة وأنشأت هيئة لتطويرها خاصة في قطاع التكنولوجيات الحديثة والخدمات والسياحة التضامنية. أما كندا فقد أدركت هي الأخرى أن هدا النوع من المشروعات يمثل اكبر قطاع لخلق فرص الشغل في الدولة (حوالي 80% من إجمالي فرص العمل ) ،فابتكرت عددا من الهياكل وبرامج المساعدات المالية والتقنية لتضمن نموا صحيحا لمنظماتها ،حتى تساهم بشكل اكبر في الإنتاج الداخلي الخام وتسهيل عملية خلق الوظائف الجديدة. ويوجد بكندا ثلاث منظمات لمساعدة المواطنين على تمويل مشروعاتهم بالقروض أو لضماناتها؛ وهي صندوق المشروعات الصغيرة ويغطي مختلف المناطق ،وشركة التنمية الصناعية وتغطي خدمات التنمية الصناعية ، والبنك الفيدرالي لتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة ويغطي كدالك جميع أنحاء كندا.أما اليابان فقد حققت تقدما كبيرا في هدا المجال مند بداية الستينات ووضعت سياسة ثابتة لتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة ،لتصبح هده المنشآت ذات قدرة تنافسية عالية .وقد تمثلت هده السياسة في قيام الحكومة اليابانية باتخاذ إجراءات لتشجيع هده المشروعات وسنت قوانين للجمعيات التعاونية ،زيادة على توفير جميع الآليات لتشخيص المشكلات والتحديات التي تواجه حاملي هده المشاريع بالإضافة إلى إنشاء معهد لتدريب وتعليم العاملين بهده المنشات وإصدار قانون بشأن تحسين الإجراءات الاستثنائية لزيادة التطور التكنولوجي لها .
أما في الدول العربية فقد تكتسب المشروعات الصغيرة والمتوسطة أهميتها من مجموعة اعتبارات تتعلق بخصائص هياكلها الاقتصادية والاجتماعية، ونسب توافر عوامل الإنتاج ،والتوزيع المكاني للسكان والنشاط .ففي اليمن مثلا تساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ب 96% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2005 ،وحوالي 77% و59% و 25% في كل من الجزائر، وفلسطين ، والمملكة العربية السعودية على الترتيب خلال العام نفسه. كما تمثل هده المشروعات في الأردن نسبة 92,7% من إجمالي عدد المشروعات ، وتساهم بنسبة 28,7% من الناتج المحلي الإجمالي،والدي يعتبر منخفضا مقارنة مع دول عربية أخرى. وتمثل هده المشروعات 86,1% من إجمالي عدد المشروعات الصناعية في دولة الإمارات العربية المتحدة ،وما يقارب 76% من إجمالي المشروعات الصناعية العاملة في مملكة البحرين. وتمثل أيضا أكثر من 99%من المشروعات الخاصة غير الزراعية ، وحوالي 75%من عمالة القطاع الخاص في جمهورية مصر العربية.
ورغم هدا التطور الملحوظ الذي عرفته المشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال الأربعة عقود الأخيرة والدور الريادي الذي تلعبه في تحريك وتسريع وثيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلا أن ثمة تهديدات لهذه المشروعات أول هذه التهديدات تتمثل بحسم الخيار الإستراتيجي بين الربح والاستمرارية حيث من الممكن تحقيق الربح مع خطر عدم الاستمرارية. ففي الولايات المتحدة تم تأسيس مئة مشروع في عام 2008 إلا أنه لم يبقى منها نهاية العام سوى نصف مشروع فقط, ما يعني أن 99.5 %منها خرجت من السوق ولم تضمن استمراريتها، لأنه ولسوء الحظ يبقى منطق الاستمرارية غير واضح في أدهان المستثمرين الصغار ويصبح الربح السريع لديهم هو الخيار الإستراتيجي الوحيد, ويتم تحقيق ذلك على حساب الاستمرارية, وعلى حساب أشياء أخرى مرتبطة بالجودة والتميز وغيرها. بالإضافة إلى تهديدات مرتبطة بعدم ربط المشروع الصغير أو المتوسط بالمشروعات الكبيرة, فعندما يكون المشروع الصغير جزءاً من مجموعة مشروعات تزود المشروعات الكبيرة بمنتجاتها فإنها تضمن بذلك الاستمرارية والتطور والتأهيل.
المشروعات الصغيرة والمتوسطة لازالت تعاني الكثير من العقبات التي تعترض طريق نموها، إلا أن التمويل يعتبر إحدى أهم العقبات الهيكلية نظرا لغياب ابناك ومؤسسات مختلفة للإقراض الميسر متخصصة في هدا النوع من الاستثمار كمؤسسة محمد بن راشد لدعم مشروعات الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة مثلا. فالبنوك في الدول النامية كالمغرب لازالت تلعب دورا محدودا في أسواق الوساطة والتنمية الاجتماعية. فمشكلة الحصول على القروض للتمويل تبقى من المعيقات الرئيسية التي تعرقل إقبال الشباب في الدول النامية على هدا النوع من المشاريع الصغرى نظرا للتكاليف المرتفعة للإقراض وعدم توفرهم على الضمانات العالية التي تطلبها الأبناك لمواجهة مخاطرها المحتملة بالإضافة إلى ارتفاع سعر الفائدة .
ففي المغرب ذو اقتصاد مركب يلعب فيه القطاع غير المنظم دورا رئيسيا ، هش يعتمد بالأساس على النمو الزراعي ويبقى تطوره رهين بالظرفية وتقلبات الطبيعة ، يمكن لهده المشاريع أن تشكل احدى الوسائل الجوهرية لمعالجة معضلتين أساسيتين في الاقتصاد المغربي ، هما البطالة خاصة لدى فئة الشباب ، والاختلال الهيكلي في سوق العمل المتمثل في تركز معظم العمالة الوطنية في القطاع العام الذي يسيطر على مجمل الاقتصاد الوطني.
الاقتصاد المغربي يبقى رهين إكراهات تبطئ تقدمه الإقتصادي وتحد من نموه(معدل النمو لم يتجاوز 5,4% سنة 2008) وتشكل عوائق كثيرة على درب التطور في ظل سياسة ماكرواقتصادية لا تتغير وغير قادرة على بعث حيوية الاقتصاد مع الحفاظ على الاستقرار .فرغم الإنجازات الضعيفة التي تم تحقيقها ساهم التقلب الكبير لمعدل النمو في ارتفاع معدل البطالة (9,6% على المستوى الوطني و14,7% بالوسط الحضري و4% بالوسط القروي حسب إحصائيات عام 2008) وفي تفاقم الفقر الذي يمس أزيد من 15 % من الساكنة خاصة الشباب. فالإحصائيات تشير أن أزيد من 10.000.000 مغربي لا يفوق دخلهم اليومي عشرة دراهم، و15 % من الساكنة تعيش تحت عتبة الفقر وما يقارب نصف الساكنة يتموقع مدخولها في حدود أقل من 500 درهم وفي الوسط القروي يمس الفقر أزيد من 23% من الساكنة خاصة النساء والشباب يعني أن ما يزيد عن 4 ملايين من سكان القرى والبوادي المغربية يعيشون تحت مستوى عتبة الفقر .
وفي ظل الأزمة المالية العالمية والتقلبات التي يعرفها النظام العالمي لاشك أن الاقتصاد المغربي سيشهد في العقود القليلة القادمة صدمات داخلية وخارجية وستواجهه تحديات نظرا لكون قواعد اللعبة الإقتصادية غير واضحة وتتم في جو مشحون بالمنافسة الشرسة .عندئذ يطرح السؤال أي دور للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في توسيع القاعدة الإنتاجية والرفع من الصادرات المغربية ؟ عندما نتناول بالدرس والتحليل تطور الإقتصاد المغربي اليوم ،يصعب عدم التعبير بضرورة القيام بإصلاحات عميقة تخص بالأساس تشجيع الاستثمار في المشاريع الصغرى والمتوسطة سيما وأن وتيرة نمو السكان سيبقى مرتفعا مما سيزيد من الضغط على سوق العمل ، ينبغي أيضا تحرير المقاولات الصغرى والمتوسطة من الإكراهات التي تشل حركتها لأن وضعيتها الراهنة لا تشجع على التحسن بالإضافة الى تشجيع المبادرات الحرة وتشجيع الثقافة المقاولتية عند الشباب لأن المعضلة التي تواجه عملية نجاح فكرة العمل في المشاريع الصغيرة بالمغرب، هي أن المشاريع الصغيرة سواء كانت حرفية أو صناعية أو خدماتية قد لا تجد في إطار قيم الثقافة السائدة في المجتمع المغربي مكانا واسعا مقابل سيطرة كبيرة لقيم الوظيفة الحكومية.
وفي الأخير ينبغي تقديم جواب واضح على السؤال المرتبط بدور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في توسيع القاعدة الإنتاجية والرفع من الصادرات المغربية. ينبغي على المغرب القيام بإصلاح شجاع ورشيد لبلوغ مستقبل أحسن. ترتكز التنمية الاقتصادية والاجتماعية على الاستثمار خاصة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة لما لها من دور محوري في تسريع وثيرة النمو وخلق فرص للشغل، لدا ينبغي إدماج إستراتيجية تنمية تلك المشروعات ضمن إستراتيجية صناعية شاملة، وربطها باحتياجات التنمية التي تحددها هده الإستراتيجية.
رشيد بداوي باحث في الإقتصاد رئيس منتدى الشباب القروي
[Vous devez être inscrit et connecté pour voir ce lien]